مقدمة
أصبح
العالم اليوم قرية صغيرة بفضل تطور وسائل الاتصال، ولكي نكون على اتصالٍ بهذا
العالم والذي يأتينا كل لحظةٍ بجديد في مجالات العلم والتكنولوجيا والسياسة
والاقتصاد والتربية وغيرها، كان لا بد لنا من إتقان لغتنا، ومن ثم تعلّم لغةٍ
ثانية، لتنفتح الأكوان المنغلقة أمامنا، ولنكون على علم ودراية بما يجري حولنا، ولنعدّ أنفسنا لمجاراة
المستجدات والتكيّف معها، إضافة إلى انفتاح الآفاق للتفاعل الثقافي مما يساعد في
فهم الآخر. لذلك يعد تعلّم اللغات أمراً مهمّاً، على ألاَّ يكون ذلك على حساب
اللغة العربية، التي تعتبر هوية الأمة وعنوان استقلالها، ووعاء ثقافتها وحضارتها.
وقبل
الشروع في تعلّم أيّ لغةٍ، يجب إلقاء الضوء على جهود الرواد ودراساتهم وبحوثهم في
مجال اكتساب اللغة. فقد مهدت جهودهم الطريق لتقبل اللغة الثانية، وكيفية اكتسابها،
ومكّنت من إدراك العقبات والعوائق التي تقف حجر عثرةٍ أمامها. وقد أفادت هذه
الجهود والنظريات اللغة العربية في مجال تعلّمها وتعليمها، وسدت هذه الدراسات بعض
الثغرات الناتجة عن قصور البحث اللساني العربي خاصة في المجال التطبيقي. ويجب أن
يُعلم أن حقل البحوث المتعلقة باكتساب اللغة الثانية لم يتوقف تأثيره على اللغة،
بل تجاوز ذلك إلى تغيير الطريقة التي نفكر بها فيما يخص التعلم والتعليم، وإلى
تشكل معرفتنا حول اللغات الإنسانية بشكلٍ عام.
إنّ
معظم البحوث التي أجريت في مجال اللغة، كان محورها معرفة كيفية اكتساب اللغة
وكيفية تطوّرها وممارسة تدريسها على أسس لسانية ونفسية واجتماعية وتربوية. ففي
الخمسينيات من هذا القرن كانت هناك نظريتان قد تطوّرتا وأصبحتا شائعتين حول كيفية
اكتساب اللغة. وهاتان النظريتان كانتا متضادتين في الأفكار: الأولى النظرية
السلوكية (
Behaviorism) وهي التي ترى أنّ اللغة تتطوّر نتيجة عوامل أو مؤثراتٍ
بيئية (Environmental
Influences) والنظرية الثانية، هي النظرية الفطرية (Nativism) وترى أنّ اللغة تتطور بفعل عوامل فطرية تولد مع الإنسان
وتصاحبه في حياته، وهي موجودة في داخله، أما الأفكار ووجهات النظر الحديثة حول
كيفيَّة اكتساب الإنسان اللغة، فتركِّز على الجمع أو التفاعل بين العوامل البيئية
والقدرات الفطرية وهو ما يصح أن نطلق عليه النظريات التفاعلية ( Interactionist Theories ) التي تختلف في تفسيرها لعملية اكتساب اللغة.
1. تعريف اكتساب
اللغة
يقصد
باكتساب اللغة العملية غيرالشعورية، وغير المقصودة، التي يتم بها تعلم اللغة الأم،
ذلك أن الفرد يكتسب لغته
الأم في مواقف طبيعية، وهو غير واع بذلك. ودون أن يكون هناك تعليم مخطط له، وهذا
ما يحدث للأطفال، وهم يكتسبون لغتهم الأولى، فهم لا يتلقون دروسا منظمة في قواعد
اللغة، وطرائق استعمالها، وإنما يعتمدون على أنفسهم في عملية التعلم، مستعينين
بتلك القدرة التي زودهم بها الله تعالى، والتي تمكنهم من اكتياب اللغة في فترة
قصيرة وبمستوى رفيع.
2. أقسام اكتساب اللغة
·
غير
اللفظية
المراد
باكتساب اللغة غير اللفظية هو تبدأ مظاهر الحياة عند الطفل بصيحة الميلاد، وتتطور
هذه الصيحة تطورا سريعا مع نمو الطفل حتى تصبح معبرة عن بعض رغباته، وتصبح وسيلة
من وسائل اتصال مع أمه أو مربيته.
ولقد
دلت أبحاث (شن – واروين- - 1946-ص ص27-29) على أن الطفل العادى يستعمل سبعة أصوات
مختلفة متباينة قرب نهاية الشهر الثاني من عمره، ثم يزداد عددها إلى سبعة وعشرين
صوتا حينما يبلغ عمر الطفل 2،5 سنة.
كما
تدل أبحاث (مكارتي- -1946- ص ص: 581)على
أن الطقل العادي يناغى فيما بين الشهر الثاني والشهر الرابع من العمر، ويحدث
أصواتا تدل على السرور والإرتباح فيما بين الشهر الثالث والشهر السابع ويقلد بعض
الأصوات فيما بين الشهر السادس والشهر الثامن، ويستجيب للتحية فيما بين الشهر
التاسع ونهاية السنة الأولى من العمر.
·
اللفظية
وأما
المراد باكتياب اللغة اللفظية هو يبدأ الكلام عند الطفل العادي حينما يبلغ من
العمر خمسة عشر شهرا بالتقريب، فإذا تأخر إلى السنة الثانية فهو حاجة إلى دراسة
خاصة لتشخيص أسباب تأخره.
ويقاس
الإنتقال من مرحلة اللغة غير اللفظية إلى مرحلة اللغة اللفظية بمقياسين :
1. ألا يكون فهم الألفاظ التي يستعملها
الطفل قاصرا على ذوي قرباه المتصلين به، بل إن تكون ألفاظه واضحة ومفهومة للآخرين.
2. أن ترتبط ألفاظ الطفل ارتباطا صحيحا
بمعانبها فلا يختلط مثلا بين اللفظ الدان
على الكرة والألفاظ الدانة على لعبة أخرى، حتى لا يسمى كل لعبة يراها كرة.
هذا ويجب أن تفى لغة الطفل اللفظية
بهذين الشرطين حتى يمكن له بدْ المرحلة اللفظية الصحيحة.
وقد يتأخر النمو
اللفظ عند بعض الأطفال إذا لم يجدوا ما يدفعهم إلى الكلام. فالطفل الذي تتحقق
رغباته في سهولة ويسر بصراخه وإشاراته، يكون في غنى عن استعمال الألفاظ، وبذلك
يتأخر نمو اللغوي لضعف الدافع والمثير.
وتدل
أبحاث (سكيت- -1926- ص:3) الذي أجراها على 273 طفلا تتراوح أعمارهم فيما بين 8
شهور و 6 سنين على أن المحصول اللفظي عند الأطفال يبدأ صعيفا ثم ينمو بسرعة فائقة
حيث يكون عدد الكلمات لا يتجاوز الثلاث في السنة الأولى ويصل إلى مائتين وسبعين في
الثانية من العمر وإلى ألفين وسبعين في الخامسة وألفين وخمسمائة وستين في السادسة.
3. آراء في اكتساب اللغة
فيما
يلي نحاول أن نتعرف على بعض الآراء في اكتساب اللغة وأن نبين وجهات النظر المختلفة
في هذا المجال:
1. ديوي (John Dewey)
واكتساب
اللغة:
يرى ديوي أن الكلام لدى الطفل يبدأ بالطبع مجرد أصوات وأنغام
خالية من أي معنى أو تعبير أي أنها لا تحمل فكرة ما، وهذه الاصوات ماهي إلا
نوع من المنبهات ، فلفظ " قبعة" يبقى خالياً من المعنى كأي صوت
إلا إذا لفظ مقروناً بعمل قد اشترك فيه نفر من الناس. فلما تصطحب الأم الطفل إلى
خارج دارها تضع شيئاً فوق رأسه وهي تقول له قبعة، ففي خروج الطفل مع أمه لذة له،
بل أن كليهما يهتم في ذلك لأنها يمتعان به معاً، مكتسب كلمة " القبعة" لدى الطفل المعنى نفسه الذي تفهمه منه
أمه باقترانها بمختلف العوامل التي تدخل في نشاطهما، وإذ ذاك تتحول الكلمة إلى
رموز لنوع العمل الذي اقترنت به.
على أن الحقيقة المجردة هي أن اللغة تتألف من جملة أصوات
يفهمها عدد من الناس كافية للدلالة على أن معنى اللغة يعتمد على
اقترانها بخرات مشتركة بين الناس.
ويشير (ج ديوي) أن الوسط الاجتماعي يعمل على تكوين العادات
اللغوية إذ أن أساليب الكلم الأساية والجانب الأكبر من المفردات اللغوية
تتكون من سياق الحياة المعتادة بسبب كونها ضرورة اجتماعية، والطفل كما يقول الناس
يتعلم لغة أمه.
2.
سكينر (Skinner) واكتسـاب اللغــة:
يرى سكنر أن اكتساب اللغة يتم في الوسط
الاجتماعي بطريق المثير والاستجاب، وهو الذي أدخل مفهوم السلوك الأدائي فأشار إلى أن
السلوك اللفظي يمثل المستوى الأدائي، وعرفه بأنه السلوك التلقائي الذي يمكن أن
يدعم أو دعم فعلاً متمايز بالاشتراط الوسيلي فالسلوك اللفظي التلقائي عند الطفل
يمكن أن يخضع في نظر سكينر لعملية تدعيم اجتماعي، فالطفل يتعلمها أن أحداث بعض الأصوات
التي تشبه ظاهرياً على الأقل بعض الأصوات المقبولة اجتماعياً لبعض الكلمات مثل(
لبن) أو (ماء) يؤدي إلى استجابة بالتشجيع ومن ثم تقوي هذه الاصوات أو الكلمات أما
الأصوات أو الكلمات الأخرى التي لا تكافئ بهذه الصورة فإنها تنطفئ ويمكن أن
يمتد هذا التفسير الذي ذهب إليه ( سكنر) ليشمل الظواهر اللغوية كلها. فالطفل يميل
إلى تعلم الاستجابة التي تدعم سواء أكان التدعيم بطريق الثواب المباشر الذي
يؤدي إلى خفض حدة التوتر أم كان بطريق بعض الأدلة الثانوية غير المباشرة للثواب
النهائي. أما الاستجابات التي لا تدعم فتميل إلى الانطفاء والاختفاء من حصيلة
استجابات الطفل، والاستجابات المتضمنة في هذه الأحداث قد تكون استجابات مباشرة
لمثيرات خارجية، أو قد تكون استجابات إوائية "كالمناغاة" فتتار داخلياً إلى حد ما. ويقول سكنر عن الذخيرة الفظية لدى
الطفل أو المتكلم (نلاحظ أن المتكلم يمتلكم ذخيرة لفظية، بمعنى أن أنواعاً مختلفة
من الاستجابات تظهر من وقت لآخر في سلوكه على ارتباط بظروف يمكن تحديدها ويشير
تعبير" الذخيرة اللفظية" على أنها مجموعة من الاستجابات الإجرائية اللفظي
إلى السلوك المحتمل للمتكلم.
4. العوامل المؤثرة في النمو اللغوي
وتعلم الكلام
1)
الجنس: لوحظ أن الإناث يتفوقن على الذكور في كل
جوانب اللغة كبداية الكلام وعد المفردات اللغوية فيتكلمن بشكل أسرع وهن أكثر
تساؤلاً وأكثر إبانة وأحسن نطقاً والسبب العلمي لهذا التفاوت غير مطروح حتى الآن.
2)
الذكاء:
تعتبر اللغة مظهراً من مظاهر نمو القدرة العقلية العامة والطفل الذكي يتكلم مبكراً
عن الطفل الأقل ذكاء.
3)
المحيط
الاجتماعي: يعتبر المحيط الاجتماعي بسماته الثقافية والاقتصادية المميزة من أهم
العوامل المؤثرة على تعلم النطق والكلام لدى الطفل، حيث أن النمو اللغوي يتأثر
بالخبرات وتنوعها واختلاط الطفل بالراشدين أثناء مراحل نمو السلوك اللغوي .
ويشير
فرويد Segmond Freud أن
الطفل الذي تربى في عائلة كثيرة السفر أو أمه في غياب مستمر3 عنه فإنه يفقد موهبته
في الكلام الذي اكتسبه حديثاً، كما لوحظ أن الأطفال من الطبقات العليا أثرى لغوياً
من الطبقات الدنيا ربما لأنه تتاح لهم فرص الاحتكاك مع الآخرين ويلقون اهتمام من
الأهل ويلتحقون بالمدارس التي تولي أمور النطق أهمية كبيرة وللعطف والتشجيع دور
هام في اكتساب اللغة.
أما
أطفال الطبقات الدنيا فمحرومون من كل ذلك مما يؤدي إلى التأخر اللغوي و يصاب
بالتأتأة والفأفأة والتلعثم والارتباك.
4)
العوامل
الجسمية: ومنها سلامة جهاز الكلام واضطرابه وكذلك كفاءة الحواس ولا سميا السمع.
5)
وسائل
الإعلام: ولا ننسى دور وسائل الإعلام من إذاعة وتلفاز وغيرها فهي بمثابة المثير
حيث يعطي تنبيهاً لغوياً أكثر وأفضل يساعد على النمو اللغوي السليم.
إلا
أن تعدد اللغات في المراحل الأولى لاكتساب اللغة يشكل عبئا على الطفل في اكتسابه
لهذه الخيرة إذ يجب أن يتعلم يستمع الطفل للغة واحدة.
الوظائف
العليا للدماغ: الذاكرة، الإدراك، الدافعية و تحقيق الذات.
5. القدرة
الخاصة والخصائص البيولوجية لاكتساب اللغة
القدرة على اكتساب لغة من اللغات أمر يختص به الإنسان دون سائر المخلوقات.
واللغة بمفهومها الواقعي، أساسها قدرة فطرية، تختص بالجنس البشري.
ولقد اهتم علماء البيولوجية والفسيولوجية الخاصة بالقدرة الفطرية والتي
تمكن الإنسان من اكتساب اللغة. ومن أشهر الباحثين في هذا المجال (ليننبرج- 1968- ص
ص65/85) والذي أشارت ابحاثه إلى وجود خصائص ببيولوجية تتوافر عند الإنسان بحيث
تمكنه من اكتساب اللغة، وتتمثل هذه الخصائص في:
1)
وجود بعض العلاقات بين اللغة التي يتحدث بها الإنسان
والنواحي الفسيولوجية والتشريحية الخاصة بجسم الإنسان.
2)
الترتيب الزمني للنمو اللغوي
3) صعوبة كبت
اللغة أو وقف نموها: فمن الناحية البيولوجية، لا يتمكن الإنسان من كبت اللغة أو أن
تقف لغته في نموها.
4) اللغة البشرية
يمكن تعليمها لغير البشر: فليست هناك مخلوقات أخرى –غير البشر- لها القدرة على
الاتصال المنظم والقدرة على الأبتكار مثل الإنسان، كما أنه ليس في مقدور سائر
الكائنات تعلم لغة البشر.
5) تشير دراسات
تشومسكي - - 1958، جرينبرج- - 1968، وهيلمسلف- -1953) على أن هناك أسسا صوتية
ونحوية ودلالية مشتركة بين جميع لغات العالم. ففي جميع لغات العالم مفردات تدل على
الأشياء والمشاعر والصفات والأفعال والعلاقات المختلفة. ومن الناحية البيولوجية
ليست هناك فروق جوهرية من حيث ذلالات هذه المفردات كما أن هناك أسسا اخرى مشتركة
بين اللغات، ففي قدرة أي طفل أو راشد أن يتعلم أية لغة في العالم.
6) تركز الدراسات
الحديثة على محاولة الكشف عما إذا كانت جميع العمليات اللازمة للكلام مركزة في
المنطقة البشري من المخ، أم أن بعضا منها يمكن أن تكوم به المنطقة الأخرى.
المراجع
عبد الرحمن بن
إبراهيم الفوزان. دروس الدورات التدريبية لمعلمي اللغة العربية لغير
الناطقين بها (الجانب النظري). 1424هـ. مؤسسة الوقف الإسلامي
عبد المجيد سيد أحمد
منصور. علم اللغة النفسي. 1982. مطابع جامعة الملك سعود.
Tidak ada komentar:
Posting Komentar