ماهية الدلالة بين القديم والحديث
I-مصطلح "الدلالة" في القرآن الكريم ومعجمات اللغة:
تمهيد: الحديث عن المصطلح الدلالي- كيف نشأ وكيف تطور- يدعو إلى تحديد المفهوم اللغوي الأول لهذا المصطلح، لأن الوضع اللغوي الذي تصالح عليه أهل اللغة قديماً، يلقي بظلاله الدلالية على المعنى العلمي المجرد في الدرس اللساني الحديث "فالمصطلح يتشكل مع نمو الاهتمام في أبواب العلم وبالاحتكاك الثقافي."(1) وقد وقع اختلاف بين علماء اللغة المحدثين في تعيين المصطلح العربي الذي يقابل مصطلح "السيمانتيك" بالأجنبية الذي أطلقه العالم اللغوي "بريل" سنة 1883 على تلك الدراسة الحديثة، التي تهتم بجوهر الكلمات في حالاتها الإفرادية المعجمية وفي حالاتها التركيبية السياقية وآلياتها الداخلية التي هي أساس عملية التواصل والإبلاغ، فاهتدى بعض علماء اللغة العرب إلى مصطلح "المعنى" باعتباره ورد في متون الكتب القديمة لعلماء أشاروا إلى الدراسة اللغوية التي تهتم بالجانب المفهومي للفظ كالجرجاني الذي يعرف الدلالة الوضعية، بأنها كون اللفظ بحيث متى أطلق أو تخيل فهم منه معناه للعلم بوضعه.(2) ومن علماء العرب المحدثين الذي استعمل مصطلح "المعنى" الدكتور تمام حسان إذ يقول، في سياق حديثه عن العلاقة بين الرمز والدلالة: "ولبيان ذلك نشير إلى تقسيم السيميائيين للعلاقة بين الرمز والمعنى إلى علاقة طبيعية وعلاقة عرفية وعلاقة ذهنية."(3) وفي مقام آخر يستعمل الكاتب نفسه مصطلحي الدال والمدلول في حديثه عن العلاقة الطبيعية بين الرمز الأدبي ومعناه إذ يقول: "وهناك طريقة أخرى للكشف عن هذه الرموز الطبيعية في الأدب الطريقة هي عزل الدال عن المدلول أو الشكل عن المضمون، ثم النظر إلى تأثير الدال في النفس بعد ذلك".(4)
وقد آثر لغويون آخرون استعمال مصطلح "الدلالة" مقابلاً للمصطلح الأجنبي: "لأنه يعين على اشتقاقات فرعية مرنة نجدها في مادة الدلالة: - الدال- المدلول- المدلولات- الدلالات- الدلالي)"(5) . ولأنه لفظ عام يرتبط بالرموز اللغوية وغير اللغوية، أما مصطلح "المعنى" فلا يعني إلا اللفظ اللغوي بحيث لا يمكن إطلاقه على الرمز غير اللغوي، فضلاً على ذلك أنه يعد أحد فروع الدرس البلاغي وهو علم المعاني.
فدرءاً للبس وتحديداً لإطار الدراسة العلمية، استقر رأي علماء اللغة المحدثين على استعمال مصطلح "علم الدلالة"، مرادفاً لمصطلح "السيمانتيك" بالأجنبية وأبعدوا مصطلح "المعنى" وحصروه في الدراسة الجمالية للألفاظ والتراكيب اللغوية وهو ما يخص "علم المعاني" في البلاغة العربية.
I-مصطلح "الدلالة" في القرآن الكريم ومعجمات اللغة:
تمهيد: الحديث عن المصطلح الدلالي- كيف نشأ وكيف تطور- يدعو إلى تحديد المفهوم اللغوي الأول لهذا المصطلح، لأن الوضع اللغوي الذي تصالح عليه أهل اللغة قديماً، يلقي بظلاله الدلالية على المعنى العلمي المجرد في الدرس اللساني الحديث "فالمصطلح يتشكل مع نمو الاهتمام في أبواب العلم وبالاحتكاك الثقافي."(1) وقد وقع اختلاف بين علماء اللغة المحدثين في تعيين المصطلح العربي الذي يقابل مصطلح "السيمانتيك" بالأجنبية الذي أطلقه العالم اللغوي "بريل" سنة 1883 على تلك الدراسة الحديثة، التي تهتم بجوهر الكلمات في حالاتها الإفرادية المعجمية وفي حالاتها التركيبية السياقية وآلياتها الداخلية التي هي أساس عملية التواصل والإبلاغ، فاهتدى بعض علماء اللغة العرب إلى مصطلح "المعنى" باعتباره ورد في متون الكتب القديمة لعلماء أشاروا إلى الدراسة اللغوية التي تهتم بالجانب المفهومي للفظ كالجرجاني الذي يعرف الدلالة الوضعية، بأنها كون اللفظ بحيث متى أطلق أو تخيل فهم منه معناه للعلم بوضعه.(2) ومن علماء العرب المحدثين الذي استعمل مصطلح "المعنى" الدكتور تمام حسان إذ يقول، في سياق حديثه عن العلاقة بين الرمز والدلالة: "ولبيان ذلك نشير إلى تقسيم السيميائيين للعلاقة بين الرمز والمعنى إلى علاقة طبيعية وعلاقة عرفية وعلاقة ذهنية."(3) وفي مقام آخر يستعمل الكاتب نفسه مصطلحي الدال والمدلول في حديثه عن العلاقة الطبيعية بين الرمز الأدبي ومعناه إذ يقول: "وهناك طريقة أخرى للكشف عن هذه الرموز الطبيعية في الأدب الطريقة هي عزل الدال عن المدلول أو الشكل عن المضمون، ثم النظر إلى تأثير الدال في النفس بعد ذلك".(4)
وقد آثر لغويون آخرون استعمال مصطلح "الدلالة" مقابلاً للمصطلح الأجنبي: "لأنه يعين على اشتقاقات فرعية مرنة نجدها في مادة الدلالة: - الدال- المدلول- المدلولات- الدلالات- الدلالي)"(5) . ولأنه لفظ عام يرتبط بالرموز اللغوية وغير اللغوية، أما مصطلح "المعنى" فلا يعني إلا اللفظ اللغوي بحيث لا يمكن إطلاقه على الرمز غير اللغوي، فضلاً على ذلك أنه يعد أحد فروع الدرس البلاغي وهو علم المعاني.
فدرءاً للبس وتحديداً لإطار الدراسة العلمية، استقر رأي علماء اللغة المحدثين على استعمال مصطلح "علم الدلالة"، مرادفاً لمصطلح "السيمانتيك" بالأجنبية وأبعدوا مصطلح "المعنى" وحصروه في الدراسة الجمالية للألفاظ والتراكيب اللغوية وهو ما يخص "علم المعاني" في البلاغة العربية.
1-لفظ "الدلالة" في القرآن الكريم:
لقد أورد القرآن الكريم صيغة "دلّ" بمختلف مشتقاتها في مواضع سبعة تشترك في إبراز الإطار اللغوي المفهومي لهذه الصيغة، وهي تعني الإشارة إلى الشيء أو الذات سواء أكان ذلك تجريداً أم حساً ويترتب على ذلك وجود طرفين: طرف دال وطرف مدلول يقول تعالى في سورة "الأعراف" حكاية عن غواية الشيطان لآدم وزوجه: "فدلاّهما بغرور"(6) . أي أرشدهما إلى الأكل من تلك الشجرة التي نهاهما الله عنها. فإشارة الشيطان دال والمفهوم الذي استقر في ذهن آدم وزوجه وسلكا وفقه هو المدلول أو محتوى الإشارة، فبالرمز ومدلوله تمت العملية الإبلاغية بين الشيطان من جهة، وآدم وزوجه من جهة ثانية، وإلى المعنى ذاته، يشير قوله تعالى حكاية عن قصة موسى عليه السلام: "وحرمنا عليه المراضع من قبل فقالت هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون"(7) كما ورد قوله تعالى في سورة "طه" حكاية عن إبليس: "قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى"( . فهاتان الآيتان تشيران بشكل بارز إلى الفعل الدلالي المرتكز على وجود باث يحمل رسالة ذات دلالة. ومتقبل يتلقى الرسالة ويستوعبها وهذا هو جوهر العملية الإبلاغية التي تنشدها اللسانيات الحديثة، فإذا تم الاتصال الإبلاغي فواضح أن القناة التواصلية سليمة بين الباث والمتقبل. وتبرز العلاقة الرمزية بين الدال والمدلول- قطبي الفعل الدلالي- في قوله تعالى من سورة الفرقان: "ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكناً ثم جعلنا الشمس عليه دليلاً".(9) فلولا الشمس ما عرف الظل، فالشمس تدل على وجود الظل فهي شبيهة بعلاقة النار بالدخان الذي يورده علماء الدلالة مثالاً للعلاقة الطبيعية التي تربط الدال بمدلوله، ويمكن تمثل هذه العلاقة في أي صيغة أخرى، ولقد دلت الأرضة، التي أكلت عصا سليمان عليه السلام حتى خرّ، أنه ميت في قوله تعالى من سورة سبأ: "فلما قضينا عليه الموت ما دلّهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته فلما خرّ تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين".(10) فتعيين طرفي الفعل الدلالي كما تحدده الآية، ضروري لإيضاح المعنى؛ فالدابة وأكلُها العصا دال، وهيئة سليمان وهو ميت مدلول، فلولا وجود "الأرضة" الدال) لما كان هناك معرفة موت سليمان- عليه السلام- دال عليه)، ومن السورة السابقة ورد قوله تعالى: "وقال الذين كفروا هل ندلّكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق إنكم لفي خلق جديد."(11) فهذه الآية تؤكد على ضرورة وجود إطار للفعل الدلالي، عناصره الدال والمدلول والرسالة الدلالية التي تخضع لقواعد معينة، تشرف على حفظ خط التواصل الدلالي بين المتخاطبين، وإلى المفهوم اللغوي ذاته يشير قوله تعالى على لسان أخت موسى عليه السلام: "إذ تمشي أختك فتقول هل أدلّكم على من يكفله فرجعناك إلى أمك كي تقرّ عينها ولا تحزن."(12)
هذه الآيات التي ورد ذكر لفظ "دلّ" بصيغه المختلفة، تشترك في تعيين الأصل اللغوي لهذا اللفظ، وهو لا يختلف كثيراً عن المصطلح العلمي الحديث ودلالته، فإذا كان معنى اللفظ "دلّ" وما صيغ منه في القرآن الكريم يعني الإعلام والإرشاد والإشارة والرمز، فإن المصطلح العلمي للدلالة الحديثة لا يخرج عن هذه المعاني إلا بقدر ما يضيف من تحليل عميق للفعل الدلالي، كالبحث عن البنية العميقة للتركيب اللغوي بملاحظة بنيته السطحية، أو افتراض وجود قواعد دلالية على مستوى الذهن تكفل التواصل بين أهل اللغة الواحدة، وهو يفسر توليد المتكلم لجمل جديدة لم يكن قد تعلمها من قبل. كما تنص على ذلك القواعد التوليدية التي أشار إليها تشومسكي) ضمن نظريته التوليدية، فما يمتاز به متكلم اللغة قدرته على إنتاج وفهم جمل لم يسبق له أن أنتجها أو سمعها من قبل".(13)
2-لفظ "دل" في معاجم اللغة:
الصورة المعجمية لأي لفظ في اللغة العربية تمثل المرجعية الأولى لهذا اللفظ في القاموس الخطابي، باعتبار دلالته الأولى "فالحالة المعجمية للألفاظ تمثل الصورة الأساسية لمحيطها الدلالي(14) ". وكتاب القرآن الكريم، يمثل ذروة ما وصل إليه الخطاب اللغوي القديم من فصاحة اللغة وجودة التعبير والدلالة، فلو تتبعنا لفظ "دل"، وما صيغ منه، في معاجم اللغة المعروفة، لألفينا دلالته لا تبتعد عن ذلك المجال الذي رسمه القرآن الكريم، فيورد ابن منظور قوله حول معاني لفظ دل: "الدليل ما يستدل به، والدليل الدال. وقد دله على الطريق يدله دلالة بفتح الدال أو كسرها أو ضمها) والفتح أعلى، وأنشد أبو عبيد: إني امرؤ بالطرق ذو دلالات. والدليل والدليلي الذي يدلك". ويسوق ابن منظور قول سيبويه وعلي- كرم الله وجهه- وقد تضمن قولهما لفظ "دل" يقول سيبويه: "والدليلي علمه بالدلالة ورسوخه فيها". وفي حديث علي- رضي الله عنه- في صفة الصحابة: "ويخرجون من عنده أدلة" وهو جمع دليل أي بما قد علموا فيدلون عليه الناس يعني: يخرجون من عنده فقهاء، فجعلهم أنفسهم أدلة، مبالغة."(15)
إن ابن منظور- بما جمع من أمثلة- يرسم الإطار المعجمي للفظ "دل" محدداً المعنى الحقيقي الذي ينحصر في دلالة الإرشاد أو العلم بالطريق الذي يدل الناس ويهديهم. وهذا التصور للدلالة، لا يختلف عن التصور الحديث مما يعني أن المصطلح العلمي الدلالة) يستوحي معناه من تلك الصورة المعجمية التي نجدها في أساليب الخطاب اللغوي القديم.
وإلى المعنى ذاته يشير الفيروز أبادي محدداً الوضع اللغوي للفظ "دل" فيقول: "… والدالة ما تدل به على حميمك، ودله عليه دلالة ويثلثه) ودلولة فاندل: سدده إليه ..) وقد دلت تدل والدال كالهدي(16) "… وبهذا الشرح يؤكد الفيروز أبادي ما نص عليه ابن منظور من أن الأصل اللغوي للفظ "دل" يعني هدى وسدد وأرشد.
ويترتب على هذا التصور المعجمي توفر عناصر الهدي والإرشاد والتسديد أي توفر: مرشِد ومرشَد ووسيلة إرشاد وأمر مرشَد إليه. وحين يتحقق الإرشاد تحصل الدلالة، وتقابل اللسانيات الحديثة هذا التصور، بتعيين الباث والمتقبل ووسيلة الإبلاغ والتواصل وشروطها، ثم المرجع المفهومي الذي تحيل عليه الرسالة الإبلاغية، وبناء على ذلك فالعمل المعجمي هو عمل دلالي وإن كان جورج مونان) كما نقل د.فايز الداية ينبه إلى أنه من الضروري عدم الخلط بين علم الدلالة semantique) والدراسة المعجمية lexicographie)، هذه التي لا تهتم إلا بوصف فحوى الكلمات كما نراها- في الحالة التقليدية- حين تسجيلها في المعجم(17) ". ولكن إذا كان المعجم لا يفي بالغرض في نقل دلالة اللفظ التي تشعب بها الخطاب اللغوي الحديث، فإن إيراد المعنى المركزي هو الذي يعين على مجموعة الحالات الجزئية التي تتباين وتتغاير بعدد السياقات التي تحل فيها(18) ، وعلى ذلك فإن الدراسات المعجمية- كما قام بها علماء المعجم- لا يمكن إغفالها أو إسقاطها من الجهود الدلالية العربية- ويبقى السياق المحدد الرئيسي لدلالة اللفظ المتجددة، إذ ذهب بعض العلماء إلى التأكيد أن معنى الكلمة هو مجموع استعمالاتها المختلفة في السياقات المتعددة، "وعلى العموم فإن معاني دلالات) الكلمات هي نتائج لا يتوصل إليها إلا من خلال تفاعل الإمكانيات التفسيرية لكامل الكلام كما يرى إمبسون."(19) هذا التحديد اللغوي للفظ "دل" كما جاء به الفيروز آبادي ينطوي على جملة من المعطيات اللغوية، يفسرها الدرس اللساني والدلالي الحديث ويحدد أبعادها المعرفية.
أما الزبيدي في معجمه فيشرح لفظ "دل" لغوياً فيقول: "… وامرأة ذات دل أي شكل تدل به" وينقل عن الأزهري في كتابه "التهذيب" قوله: دللت بهذا الطريق دلالة عرفته ودللت به أدل دلالة، ثم إن المراد بالتسديد إراءة الطريق، دل عليه يدله دلالة ودلولة فاندل على الطريق سدده إليه). وأنشد ابن الأعرابي:
ما لك يا أعور لا تندل
وكيف يندل امرؤ وعثول
ومما يستدرك عليه الدليل ما يستدل به، وأيضاً الدال وقيل هو المرشد وما به الإرشاد، الجمع أدلة وأدلاء، قول الشاعر:
شدوا المطي على دليل دائب
من أهل كاظمة بسيف البحر
أي على دلالة دليل كأنه قال معتمدين على دليل… قال ابن الأعرابي: دل فلان إذا هدى(20) . وتجمع قواميس اللغة على أن الدلالة، تعني الهدي والإرشاد، فدله على الشيء وعليه أرشده وهداه.
3-ماهية الدلالة بين القديم والحديث:
أولاً: الدلالة في تعريفات علماء العرب القدامى
الأسس والمبادئ النظرية):
إن الأسس النظرية التي انبنى عليها المصطلح العلمي القديم نشأت في رحاب الدرس الفقهي، الذي يتوخى فهم كتاب الله واستنباط الأحكام منه، ولذلك نجد مختلف علوم التراث المعرفي العربي تشترك- إلى حد بعيد- في أدوات البحث ومصطلحاته العلمية، ولا أدل على ذلك أن ظهر فرع من علوم العربية أطلق عليه مصطلح "فقه اللغة"(21) على غرار فقه الشرع، كما استخدم اللغويون القدامى مصطلحات هي من لوازم الفقه الشرعي نذكر منها: مصطلح القياس والسماع والإجماع واستصحاب الحال والاستحسان(22) وما إلى ذلك، ولم يشذ الدرس الدلالي في التراث العربي عن هذه الأسس النظرية باعتباره كان يدور في فلك العلوم التي كانت تهدف إلى فهم كتاب القرآن، بتذليل معانيه واستنباط دلالاته، واقتباس سننه في الإنشاء والتعبير. ويمكن أن نلمس هذا الاهتمام بالدلالة- لدى المتقدمين من العلماء العرب- في ميادين مختلفة من المعارف والعلوم كالمنطق والفلسفة، وأصول الفقه، والتاريخ، والنقد، وبناء على هذه العلوم سنبين تعريفات للدلالة عند كل من: أبي نصر الفرابي ت 339هـ)، والإمام أبي حامد الغزالي ت 505هـ)، وعبد الرحمن بن خلدون ت 808هـ)، والشريف الجرجاني ت816هـ)، واختيارنا لهؤلاء الأعلام ارتكز أساساً على عدة اعتبارات كان أهمها وضوح الاهتمام بالتنظير الدلالي الذي يبدو بارزاً في مؤلفات هؤلاء العلماء، وسنقتصر على تقديم ماهية الدلالة عند علماء العرب القدامى تقديماً موجزاً بالقدر الذي يبرز مفاهيمها وتعريفاتها، ذلك أن دراسة الدلالة في التراث العربي القديم بكيفية مفصلة سيشتمل عليه الفصل الأول من المدخل التطبيقي الذي يحمل عنوان: جهود العرب القدامى في الدراسة الدلالية..
I-مفاهيم الدلالة عند الفرابي ت 339هـ):
لقد اقترن اسم الفرابي في التراث العربي بميدانين من ميادين الثقافة الإسلامية وهما: ميدان علم المنطق وميدان علم الفلسفة، وصلة هذين الميدانين بعلوم اللغة لا تخفى على أي مطلع ودارس للتراث المعرفي العربي، فالفرابي كان يرى ضرورة الأخذ بعلوم العربية وقوانينها وسننها في التعبير والخطاب، لأنها أدوات أساسية في البحث المنطقي والفلسفي، واهتمام الفرابي بعلوم العربية يستشف من خلال مؤلفاته في المنطق والفلسفة، ولا نكاد نعثر عنده على تنظير للدلالة ومتعلقاتها، إلا بقدر ما له ارتباط بهذين العلمين، ومن جملة المسائل الدلالية التي بحثها الفرابي ما يلي:
أ-أقسام الألفاظ باعتبار دلالتها:
اهتم الفرابي اهتماماً بالغاً بالألفاظ، فصنفها إلى تصنيفات عدة، بل إنه وضع لها علماً خاصاً سماه "علم الألفاظ" الذي عده من فروع علوم اللسان التي قسمها إلى سبعة أقسام وهي: "علم الألفاظ المفردة وعلم الألفاظ المركبة، وعلم قوانين الألفاظ عندما تكون مفردة، وقوانين الألفاظ عندما تركب وقوانين تصحيح الكتابة، وقوانين تصحيح القراءة، وقوانين الشعر."(23)
ودراسة الفرابي للألفاظ لا يمكن تصورها بمعزل عن الدلالة، فلا وجود لألفاظ فارغة الدلالة في علمي المنطق والفلسفة، إنما الألفاظ ودلالاتها وجهان لعملة واحدة، مما سيسمح ذلك في القرون المتأخرة إلى إبراز جملة من العلاقات الدلالية الناتجة عن اتحاد الدال بمدلوله، وهو ما ظهر جلياً في العصر الحديث في مباحث دسوسير الذي وضع مصطلح الدليل اللساني le signe linguistique) على اتحاد اللفظ بالمعنى، قطبي الفعل الدلالي.
إن المستوى الذي تتم فيه الدراسة الدلالية عند الفرابي هو مستوى الصيغة الإفرادية وهو يطلق عليه في الدرس الألسني الحديث بالدراسة المعجمية، التي تتناول الألفاظ بمعزل عن سياقها اللغوي، فتدرس دلالاتها وأقسامها ضمن حقول دلالية تنتظم فيها وفق قوانين حددها علماء الدلالة وذلك لإدماجها في استعمال لغوي أمثل. يقول الفرابي مشيراً إلى هذه الدراسة: "الألفاظ الدالة منها مفردة تدل على معان مفردة ومنها مركبة تدل على معان مفردة… والألفاظ الدالة على المعاني المفردة ثلاثة أجناس: اسم وكلمة [فعل] وأداة [حرف] وهذه الأجناس الثلاثة تشترك في أن كل واحد منها دال على معنى مفرد"(24) فأقسام الألفاظ باعتبار دلالتها تنتظم في قسمين، ألفاظ مفردة ذات دلالة مفردة، ومعيار اللفظ المفرد هو ما يدل جزؤه على جزء معناه، فدلالته قابلة للتجزئة، أما قسم الألفاظ المركبة ذات الدلالة المفردة فهي على نقيض الألفاظ المفردة، إذ هي غير قابلة لأن تتجزأ دلالتها، وتعرف بأنها ما لا يدل جزؤه على جزء معناه، يقدم ابن سينا تمثيلاً لذلك بقوله: "اللفظ المفرد: هو الذي لا يراد بالجزء منه دلالة أصلاً حين هو جزؤه مثل تسميتك إنساناً بعبد الله فإنك حين تدل بهذا على ذاته، لا على صفته من كونه "عبد الله" فلست تريد بقولك "عبد" شيئاً أصلاً. فكيف إذا سميته بـ"عيسى"؟ بلى، في موضع آخر تقول "عبد الله" وتعني بـ"عبد" شيئاً، وحينئذ يكون "عبد الله" نعتاً له، لا اسماً وهو مركب لا مفرد".(25) ولم يخرج تقسيم ابن سينا للألفاظ عما وضعه الفرابي قبله في كتابه "في المنطق".
ب-ما يقوم به مقام اللفظ المفرد من الأدوات الدالة:
لقد قسم الفرابي الألفاظ الدالة إلى ثلاثة أقسام: الاسم والفعل والأداة. وإذا كانت دلالة الاسم والفعل واضحة، فإن دلالة الأداة قد يكتنفها غموض، يشرح الفرابي في كتابه "الحروف" هذه المسألة ويفيض البحث فيها، ففي مقام حصره لاستخدامات الحرف "ما" يقول: "يستعمل [ما] في السؤال عن شيء ما مفرد، وقد يقرن باللفظ المفرد والذي للدلالة عليه أولاً وهو الشيء الذي جعل ذلك اللفظ دالاً عليه".(26) فالحروف ليست لها دلالة في ذاتها إنما قيمتها الدلالية فيما تشير إليه، واللفظ لا يدل على ذاته إنما يدل على المحتوى الفكري الذي في الذهن، وفي هذا الإطار يشرح الفرابي استعمالات لفظ "موجود" فيقول: "الموجود لفظ مشترك يقال على جميع المقولات والأفضل أن يقال إنه اسم لجنس من الأجناس العالية على أنه ليست له دلالة في ذاته."(27)
ج-الدلالة محتواه في النفس:
إن العلاقة التي تربط الدال بمدلوله في علم المنطق، لا يمكن أن تترك دون قواعد أو قوانين، لأن علم المنطق يهدف إلى عقلنة الأفكار بإخضاعها إلى قوانين تنتظم في إطارها، ولهذا يطلق الفرابي على المعاني أو الدلالات مصطلح منطقي هو "المعقولات" التي يكون محلها النفس التي يتم فيها تصحيح المفاهيم برؤية منطقية، يقول الفرابي في ذلك: "وأما موضوعات المنطق وهي التي تعطي القوانين فهي المعقولات، من حيث تدل عليها الألفاظ، والألفاظ من حيث هي دالة على المعقولات وذلك أن الرأي إنما نصححه عند أنفسنا بأن نفكر ونروّي ونقيم في أنفسنا أموراً ومعقولات شأنها أن تصحح ذلك الرأي."(28)
فالنظرية الدلالية عند الفرابي، لا تخرج عن إطار علاقة الألفاظ بالمعاني ضمن القوانين المنطقية، ويمكن أن نجمل تعريف الفرابي لعلم الدلالة بأنه الدراسة التي تنتظم وتتناول الألفاظ ومدلولاتها، وتتبع سنن الخطاب والتعبير لتقنينه وتقعيده.
II-مفاهيم الدلالة عند الغزالي ت: 505):
إن مفهوم الدلالة عند الغزالي ينبغي أن ينظر إليه من زاوية الثقافة الأصولية، ذلك أن الأحكام التي استنبطها من القرآن الكريم- خاصة- استند فيها على أسس نظرية نجدها بشكل واضح في كتابه "المستصفى من علم الأصول". وتعود هذه الأسس أصلاً إلى فهم عميق للدلالة، "وإن كانت وضعت لتطبق في فهم النصوص الشرعية، ولكنها تطبق أيضاً في معاني أي نص غير شرعي ما دام مصوغاً في لغة عربية"(29) والتفسير الدلالي الذي توصل إليه الغزالي، يدل على أن هذا العالم الفيلسوف قد تجاوز البحث عن ماهية الدلالة إلى البحث عن جوهر الدلالة وفروعها، فبنظرة مقتضبة إلى بعض نصوصه في كتابه المشار إليه آنفاً، تجده يذكر أصنافاً لمعان قد حددها علماء الدلالة المحدثون كالمعنى الإرشادي أو الإيمائي، والمعنى الاتساعي، والمعنى السياقي، وإن كان الغزالي يسميها بمصطلحات أصولية وهي على الترتيب دلالة الإشارة ودلالة الاقتضاء وفحوى الخطاب، وكل دلالة عند الغزالي قد تنقسم إلى دلالات فرعية يقول معرفاً دلالة الاقتضاء، بأنها هي التي لا يدل عليها اللفظ ولا يكون منطوقاً بها ولكن تكون من ضرورة اللفظ.(30) وكيف تكون دلالة الاقتضاء من ضرورة اللفظ يا ترى؟ يوضح ذلك الغزالي بقوله: "أما من حيث لا يمكن كون المتكلم صادقاً إلا به، أو من حيث يمتنع وجود الملفوظ شرعاً إلا به أو من حيث يمتنع ثبوته عقلاً إلا به".(31)
إن إدراك دلالة الاقتضاء تتم إما باعتبار طبيعة حال المتكلم فهي بناء على ذلك طبيعية لا يكون المتكلم عندها إلا صادقاً وإما باعتبار طريق العقل فالدلالة إذن عقلية منطقية.
وسيشير الغزالي إلى ما يمكن أن يصحب العملية التواصلية من حركة وإيماء وإشارة من قبل المتكلم فتنصرف الدلالة من المعنى الرئيسي، إلى المعنى الإيمائي أو ما يسمى في علم الدلالة الحديث "بالقيم الحافة"، وهي تعني جملة القيم الثقافية والاجتماعية وغيرها التي تصحب عملية التواصل أو الإبلاغ فلكي نؤدي دلالة معينة لا نعتمد فحسب على الألفاظ أو الرموز، إنما يقتضي ذلك تضافر عدة أنظمة إبلاغية "إذا كان النظام الكلامي أهمها فإن سائرها يواكبه مكملاً إياه"(32) من ذلك النظام الإشاري، والنظام النبري "فوق المقطعي"، والنظام الإيحائي، والنظام السياقي، ونظام المقام أو الحال، يقول الغزالي محدداً بعض هذه الأنظمة الدلالية في سياق تعريفه لدلالة الإشارة: "وهي [أي دلالة الإشارة] ما يؤخذ من إشارة اللفظ لا من اللفظ ونعني به ما يتبع اللفظ من غير تجريد قصد إليه، فكما أن المتكلم قد يفهم بإشارته وحركته في أثناء كلامه ما لا يدل عليه نفس اللفظ فيسمى إشارة فكذلك قد يتبع اللفظ ما لم يقصد به …) وهذا ما قد يسمى إيماء وإشارة."(33) أما النظام السياقي الذي يشرف على تحميل الصيغة دلالات إضافية، عدها الدرس الدلالي الحديث دلالات أساسية، يقدمه الغزالي بقوله أنه فهم غير المنطوق به من المنطوق بدلالة سياق الكلام ومقصوده."(34)
إن هذه التصنيفات للدلالة التي حددها الغزالي، تمثل وعياً عميقاً صحب فكر هذا العالم، ومكنه من أن يسهم في تأسيس الفكر النظري في مجال الدلالة. وهذه الإسهامات العلمية، لن تقدر حق قدرها ما لم ينظر إليها بمنظار "المعرفة" التي تأسس وفقها تراث القرن الخامس والسادس الهجريين، وقد أبان الغزالي على نحو علمي راق علاقات الألفاظ بالمعاني، ولم يخرج عن تلك المحددة قبلاً عند العلماء، وهي علاقة المطابقة وعلاقة التضامن وعلاقة الالتزام أو الاستتباع.(35) كما بحث الغزالي قسم الألفاظ من حيث إفرادها وتركيبها وأحصى في ذلك ثلاثة أقسام: ألفاظ مفردة وألفاظ مركبة ناقصة، وألفاظ مركبة تامة، فاللفظ المفرد عند الغزالي، لا يخرج عن تصور من سبقه من العلماء خاصة الفرابي وابن سينا يقول الغزالي: "المفرد وهو الذي لا يراد بالجزء منه دلالة على شيء أصلاً حين هو جزؤه كقولك عيسى وإنسان، فإن جزئي عيسى وهما "عي وسا" وجزئي إنسان وهما "إن وسان" ما يراد بشيء منهما الدلالة على شيء أصلاً(36) . أما المركب فهو الذي يدل كل جزء فيه على معنى، والمجموع يدل دلالة تامة بحيث يصح السكوت عليه من ذلك قولهم: زيد يمشي والناطق حيوان أما قولهم: في الدار أو الإنسان في، مركب ناقص لأنه مركب من اسم وأداة.(37) وما يلاحظ في تقسيمات الفرابي وابن سينا والغزالي للألفاظ باعتبار الإفراد والتركيب، هو إسنادهم في ذلك كله على القصد والإرادة، فإن أريد بمركب اسمي أو فعلي دلالة مفردة، كانت تلك الدلالة، وإن أريد بهما غير تلك الدلالة لم تكن.
وإن تتبعنا تقسيمات الغزالي للألفاظ، لألفيناها تتعدد لتعطي ذلك المفهوم العام الذي استقر لدى هذا العالم حول الدلالة وفروعها ومتعلقاتها، ويمكن أن يشير في هذا المجال إلى تقسيمه للألفاظ باعتبار الكلي والجزئي، وعموم المعنى وخصوصه، كما أقام تقسيمات للألفاظ باعتبار نسبتها إلى المعاني وحدد أربعة أصناف يقول: "اعلم أن الألفاظ من المعاني على أربعة منازل: المشتركة والمتواطئة والمترادفة والمتزايلة."(38) ويشرح الغزالي على نحو تفصيلي مرتب، العلاقة بين الصور المحفوظة في الذاكرة للمدلولات المادية والمجردة، والألفاظ والكتابة التي هي أدوات دالة فيقول: "اعلم أن المراتب فيما نقصده أربع واللفظ في الرتبة الثالثة، فإن للشيء وجوداً في الأعيان ثم في الأذهان ثم في الألفاظ ثم في الكتابة، فالكتابة دالة على اللفظ، واللفظ دال على المعنى الذي في النفس، والذي في النفس هو مثال الموجود في الأعيان."(39)
وعلى هذا الأساس وبحسب تقسيمات الغزالي
-فالكتابة دال فقط باعتبارها واسطة تمثيل للملفوظ فهي إشارة لإشارة كما يقول جاك دريدا)(40) .
-اللفظ دال باعتبار ومدلول باعتبار آخر.
-المعنى الذي في النفس الصور الذهنية) مدلول فقط وليست بدال.
-الموجود في الأعيان الأمور الخارجية) مدلول فقط وليست بدال.
وعلى هذا الاعتبار وبحسب ركني العملية الدلالية الدال- المدلول).
-الكتابة، الألفاظ: دال.
-الصور الذهنية- الأمور الخارجية: مدلول.
إن تلك الإشارات العابرة، إلى ما قدمه الإمام الغزالي في مجال التأسيس النظري للدلالة، يبرز ما مدى ثراء تراثنا المعرفي الذي اتخذ من النص القرآني كمعطى مثالي من أجل وضع أسس لنظرية معرفية شاملة خاصة إذا علمنا أن العلماء القدامى، قد امتلكوا الأدوات المختلفة اللغوية والمنطقية والفلسفية من أجل إبراز كل الجوانب الهامة في النص المقدس، وإن الحيطة التي أخذوها في التعامل مع أحكام القرآن زادت من منطقية معارفهم وصدق مفاهيمهم، والغزالي يعد المازج الحقيقي للمنطق الأرسططاليسي(41) . بعلوم المسلمين، وظاهر ذلك من المقدمة المنطقية التي صدّر بها كتابه "المستصفى" وذكر فيها أن من لا يحيط بالمنطق ومعاني اللغة وأسرارها لاثقة بعلومه قطعاً.
ومنذ عهد الغزالي دأب الأصوليون المتكلمون يستهلون كتبهم بمقدمات كلامية ومنهم صاحب كتاب "الإحكام في أصول الأحكام" سيف الدين الآمدي، موضوع هذا البحث، وقد أظهر الغزالي قدرة عميقة في فهم تلك السنن التي ينطوي عليها نظام اللغة، وذلك استجابة للمبحث الأصولي الذي يتجاوز الفهم السطحي "النحوي" للغة، إلى استقراء دقيق لمعانيها، لا يتعرض لها اللغوي المشتغل بصناعة النحو.
III-مفاهيم الدلالة عند ابن خلدون ت:808هـ):
لا نكاد نعثر لابن خلدون عن تعريف بيّن للدلالة، وإنما باستقراء نصوص "مقدمته" نجد دراسات في الدلالة قد تجاوزت- بلا شك- الماهية إلى البحث العميق عن جوهر الدلالة وطرق تأديتها، واضحة من غير لبس يقول موضحاً ذلك وشارحاً: "واعلم بأن الخط بيان عن القول والكلام، كما أن القول والكلام بيان عما في النفس والضمير من المعاني، فلا بد لكل منهما أن يكون واضح الدلالة."(42)
فابن خلدون- على نهج الغزالي- يوضح العلاقة القائمة بين المعاني المحفوظة في النفس، والكتابة والألفاظ ويحصرها في ثلاثة أصناف:
أ-الكتابة الدالة على اللفظ.
ب-اللفظ الدال على المعاني التي في النفس والضمير. الصورة الذهنية): وهذه المعاني إن لم تكن مجردة فإنها تدل على موجود في الأعيان وعلى هذا الأساس فالصنف الثالث للدلالة:
ج-المعاني الدالة على الأمور الخارجية.
ويعطي ابن خلدون للخط والكتابة أبعاداً مهمة في العملية التواصلية، باعتبارها أداتين مهمتين من أدوات التعليم والتعلّم الشيء الذي كان يشغل فكر ابن خلدون كثيراً يقول معرفاً "الخط" وأداءه للدلالة: "الخط وهو رسوم وأشكال حرفية تدل على الكلمات المسموعة الدالة على ما في النفس، فهو ثاني رتبة عن الدلالة اللغوية.(43) " فابن خلدون يصنف الخط في المرتبة الثانية- كما فعل ذلك الغزالي- وذلك في تأديته للدلالة اللغوية بعد الألفاظ، فالخط دال على الألفاظ والألفاظ دالة على المعاني.
ويوضح ابن خلدون هذه المسألة التي تخص أصناف الدوال فيقول: "إن في الكتابة انتقالاً من [صور] الحروف الخطية إلى الكلمات اللفظية في الخيال، ومن الكلمات اللفظية في الخيال إلى المعاني التي في النفس فهو ينتقل أبداً من دليل إلى دليل ما دام ملتبساً بالكتابة وتتعود النفس ذلك فيحصل لها ملكة الانتقال من الأدلة إلى المدلولات."(44)
بهذا التعريف للدلالة اللفظية يكون ابن خلدون قد أشار إلى ما سماه "أندري مارتيني" بالتلفظ المزدوج double articulation) اشتهر ذلك المصطلح في الألسنية الحديثة. إن التلفظ الأول هو الطريقة التي تترتب فيها الخبرة اللغوية المشتركة بين جميع أعضاء بيئة معينة، وتقوم كل وحدة من وحدات التلفظ الأول على دلالة وعلى صورة صوتية ولا يمكن تحليلها إلى وحدات أصغر ذات معنى، أما التلفظ الثاني فهو إمكانية تحليل الصورة الصوتية إلى وحدات صوتية مميزة تحتوي هذه الوحدات على شكل صوتي ولا تحمل بذاتها أية دلالة.(45)
فصور الحروف الخطية- عند ابن خلدون- هي التي تمثل التلفظ الثاني وهو تقسيم الكلمة المورفيم) إلى وحدات صوتية فونيم) لا تحمل بذاتها أية دلالة، فضلاً على ذلك يرسم ابن خلدون العملية التواصلية أو الإبلاغية رسماً بيناً، فالخط يدل على الكلمات اللفظية التي في الخيال، والكلمات هذه تدل على المعاني التي في النفس، والكلمات اللفظية التي في الخيال هو اختصار للعلاقة القائمة بين اللفظ ومعناه، فابن خلدون ينظر إلى هذين الطرفين اللفظ والمعنى) باعتبارهما طرفاً واحداً، ذلك أن اللفظ قد ارتبط بتصور في الخيال وإلى هذا أشار ابن سينا في تعريفه للدلالة بقوله: "معنى دلالة اللفظ أن يكون إذا ارتسم في الخيال مسموع، ارتسم في النفس معناه فتعرف النفس أن هذا المسموع لهذا المفهوم فكلما أورده الحس على النفس التفتت النفس إلى معناه، وهو معنى الدلالة.
فاللفظ يرتسم في الخيال كصورة صوتية ذات دلالة، فترتسم في النفس مقاصد هذه الدلالة وعلى هذا الأساس يمكن تمثيل ذلك على النحو التالي:
اللفظ قيمة صوتية تصور في الخيال المعاني الموضوع الخارجي، ثم يحصل للنفس ملكة الانتقال من الأدلة إلى المدلولات، فتربط بالبداهة بين الاسم ومسماه أي بين الدال والمدلول. فإذا كان المدلول شيئاً مادياً يكون الانتقال من اللفظ المسموع إلى الموضوع الخارجي وإذا كان المدلول من المجردات يكون الانتقال حينئذ من اللفظ إلى المعاني الذهنية.
إن هذه المفاهيم التي قدمها ابن خلدون للدلالة ورسم على أساسها العملية الدلالية، لا تختلف عن تلك النظرية التي توصل إليها العالم اللساني دوسوسير حول الدليل اللساني يقول في تعريفه: "فالدليل اللساني لا يجمع الشيء أو المادة والاسم وإنما المفهوم أو المعنى المجرد والصورة السمعية، وليست هذه الأخيرة الصوت المادي بعينه بقدر ما هي الأثر السيكولوجي له أو التمثيل المؤدى من طرف مدركاتنا الحسية(46) " فالكلمات ليست سوى صور سمعية حسب تعريف "دوسسير"، وأن العلامة اللسانية أو الدليل) هي التأليف بين التصور الذهني
concept) والصور السمعية image accoustique). وإلى الفكرة ذاتها ذهب ابن خلدون في سياق شرحه للعملية الدلالية حين قال: "الكلمات المسموعة الدالة على ما في النفس" وأوضح المسألة أكثر، حيث قال: "كما أن القول والكلام بيان عما في النفس والضمير من المعاني".(47) هذه التقريرات تبين عن إدراك ابن خلدون لأهمية الجانب السيكولوجي في الفعل الدلالي، وقد دأب سوسير على التركيز على هذا الجانب في كتابه المحاضرات حيث عرف الدال بكونه الإدراك النفساني للكلمة الصوتية، والمدلول هو الفكرة أو مجموعة الأفكار التي تقترن بالدال.(48)
لقد أسهم ابن خلدون في إرساء قواعد علم التربية مؤكداً على ضرورة الإحاطة بالألفاظ ودلالاتها على المعاني الذهنية، وحصر تحصيل تلك المعاني في طريقتين:
1-طريق القراءة والتعلّم من الكتاب.
2-طريق التعلم بالمشافهة والتلقين.
وعلى أساس هذا التنظير التعليمي، يحدد ابن خلدون مراتب الدوال بحسب أدائها للدلالات، ويشير إلى ضرورة إدراك السنن والقوانين التي تنتظم المعاني في الذهن، وهي كما نرى عملية سيكولوجية بحتة تصل الألفاظ بمحتواها الذهني، يشرح ابن خلدون هذه المسألة بقوله: "ثم من دون هذا الأمر الصناعي الذي هو المنطق مقدمة أخرى من التعليم، وهي معرفة الألفاظ ودلالتها على المعاني الذهنية تردها من مشافهة الرسوم بالكتاب ومشافهة اللسان بالخطاب، فأولاً دلالة الكتابة المرسومة على الألفاظ المقولة وهي أخفها ثم دلالة الألفاظ المقولة على المعاني المطلوبة، ثم القوانين في ترتيب المعاني للاستدلال في قوالبها المعروفة في صناعة المنطق".(49)
هذه- بإجمال- نظرة ابن خلدون لعلم الدلالة، وأقسام المعنى باعتبار الألفاظ ودلالتها، وهي نظرة مع قدمها إلا أنها ذات قيمة علمية معتبرة في الدراسة الدلالية الحديثة.
IV-ماهية الدلالة عند الشريف الجرجاني ت:816هـ):
إن ما يبعث على تقدير جهود الجرجاني حق قدرها في ميدان علم الدلالة، هو عمق تحليله وحسن تصنيفه لأقسام الدلالة، وقد قام عدة باحثين في العصر الحديث على إجراء مقاربة علمية بين ما توصل إليه الجرجاني في تقسيماته للدلالة وما توصل إليه علماء الدلالة في العصر الحديث، ومنهم العالم الأمريكي بيرس). يعرف الجرجاني الدلالة من منطلق الثقافة الأصولية فيقول: "الدلالة هي كون الشيء بحاله يلزم من العلم به العلم بشيء آخر، والشيء الأول هو الدال والثاني هو المدلول، وكيفية دلالة اللفظ على المعنى باصطلاح علماء الأصول محصورة في عبارة النص وإشارة النص واقتضاء النص.(50)
وعلى أساس هذا التعريف للدلالة، فأقسامها عند الجرجاني اثنان:
أ- الدلالة اللفظية: إذا كان الشيء الدال لفظاً.
ب- الدلالة غير اللفظية: إذا كان الشيء الدال غير لفظ.
بتحديده لطبيعة العلاقة بين الدال والمدلول، يحصي الجرجاني ثلاثة مستويات صورية تنتج عنها ثلاث دلالات، دلالة العبارة ودلالة الإشارة ودلالة الاقتضاء، وقد مرّ معنا تعريف الإمام الغزالي لدلالتي الإشارة والاقتضاء، أما دلالة العبارة أو النص فهي "المعنى الذي يتبادر إلى الذهن من صيغة النص وهو الذي قصده الشارع من وضع النص، لأن المشرّع حين يضع النص يختار له من الألفاظ والعبارات ما يدل دلالة واضحة على غرضه ثم يصوغه بعد ذلك بحيث يتبادر المعنى المقصود من النص إلى ذهن المطلع بمجرد الاطلاع عليه."(51)
إن هذا الفهم العميق للدلالة ينم عن مدى النضج المعرفي الذي أحرزه علماء القرن الثامن الهجري والذي تبلور بعد تلك الدراسات الدلالية القيمة التي تطورت منذ القرن الثالث الهجري، فالجرجاني يتجاوز بتعريفه الدلالة ليشير إلى علم آخر أعم من الدلالة semantique) وهو ما يعرف بعلم الرموز أو بالسيمياء simiologie) وذلك عندما نص على أن "الدلالة هي كون الشيء بحاله يلزم من العلم به العلم بشيء آخر فذكره "الشيء" بدل "اللفظ" يدل على إشارته إلى هذا العلم الذي يعني بالرموز والعلامات اللغوية وغير اللغوية، وقد نلمس بعض القصور في سعي الجرجاني في بلورة مفهوم عام يخص الدلالة وأنواعها ذلك "لأن العرب المتقدمين لم يكونوا يعنون بعلم الدلالة، كما يحاول العلماء اليوم بناءه، نظراً لتعقد الحضارة وارتباطها الوثيق باستعمال العلامات signes) بالمعارف والفنون التي لا تتحقق إلا في أنساق من العلامات."(52) هذه التصنيفات الثلاثة التي حددها الجرجاني في تعريفه تبلورت في علم الدلالة الحديث على يد علماء أمريكيين وأوروبيين اهتموا بما سمي بالدلالات الإيحائية، حيث يمير العالم الأمريكي هياكوا S.J.Hayakwa) بين نوعين من المعاني: المعنى القصدي Sens intentionnel) والمعنى الاتساعي Sens extentionnel)، أو كما يسمى في الألسنية الحديثة المعنى الإيمائي، وتحت هذين الصنفين يمكن أن ندرج دلالات الجرجاني الثلاث دلالة العبارة- دلالة الإشارة- دلالة الاقتضاء)، وإلى التقسيم ذاته نزع العالم اللغوي الأوروبي غرينبرغ J.H.Greenberg) حيث أقام تقسيمه باعتبار القصد والإيماء إلى: المعنى الداخلي Sens internal) والمعنى الخارجي(53) Sens external) فالدلالة- إذن- في ضوء معالم الدرس الحديث تتضح عند الجرجاني بكونها العلاقة بين المحتوى الفكري واللفظ، وعلى هذا الأساس يخضع ظهور الدلالة أو خفاؤها إلى قرائن لغوية تحدد الدلالة المقصودة، فهناك السياق الذي يحمل دلالة لا تقبل مجازاً ولا تأويلاً، كما يسوق معنى لا يصح حمله على غير ظاهره، إذ اللفظ منصرف إلى الحقيقة باعتبار الظاهر بما هو الكلام الذي يظهر المراد منه للسامع بنفس الصيغة ويكون محتملاً للتأويل والتخصيص(54) . ولقد أدرك الجرجاني العلاقة بين طرفي العملية الدلالية، الدال والمدلول، وحدد طبيعتها في وجود صلة مباشرة بين الدال والمحتوى الفكري الذي يتحدد وفقه المرجع أو الموضوع، وإن كان لا يحدِّد تحديداً بيّناً طبيعة المدلول، إلا أن تجريد عملية الإحالة المرجعية يقتضي بداهة التمييز بين المحتوى الذهني للعلامة وموضوعها الخارجي. والمهم في تعريف الجرجاني أن الدلالة تتمثل في وجهة صرف الدال إلى مدلوله، ولا يمكن أن يغفل الجرجاني عن ذلك المقام الذي ارتقى إليه التفكير الدلالي في عصره، بل نرى عالماً ناقداً قبله بقرنين وهو الكاتب حازم القرطاجيني ت 684هـ) يحلل الدلالة بقوله: "… قد تبيّن أن المعاني لها حقائق موجودة في الأعيان، ولها صور موجودة في الأذهان، ولها من جهة على ما يدل على تلك الصور من الألفاظ وجود في الأفهام والأذهان".(55)
هذه مفاهيم للدلالة لم توجد مبوبة مفصلة، كما هي عليه في الدراسات الحديثة، إنما كانت أساس الدراسات اللغوية في التراث المعرفي وخصت جميع العلوم بحيث وجدت في ثنايا كتب اللغة والمنطق والفقه وما إلى ذلك، وهي تبرز من جهة أخرى حضور الدرس الدلالي بأبوابه الرئيسية في شتى معارف تراثنا. كما أن ظهور التحليلات العميقة في عدة مستويات من الدلالة عند العلماء العرب المتقدمين واتساع اهتماماتهم في كل العلوم ساعدهم على تأسيس نظرة دلالية ازدادت قيمتها مع مرور الزمن وتبلورت لدى المتأخرين من علماء القرن التاسع الهجري وما بعده. فقد ألفينا الجاحظ يصنف العلامات الدالة ويعطيها التمثيلات الإجرائية في واقع المجتمع العربي، واشتغاله بالبيان والمنطق قد كرس عنده دقة التمييز مع عمق التحليل. وكذلك لمسنا عند علماء آخرين وضوح الرؤية الدلالية ضمن كتاباتهم، وحسبنا أن نقرأ بعضاً من أبواب ما كتبه سيبويه والجرجاني وابن جني، بل يكاد يجزم النقاد العرب المحدثون أن اللغة السيميائية قد مارسها شعراء أقدمون عبروا بها عن مكنوناتهم الوجدانية، وأشاحوا اهتماماتهم في مواضع كثيرة عن اللغة الطبيعية المألوفة وقد أشار إلى ذلك الدكتور عبد المالك مرتاض في موضوعه حول السمة والسيميائية."(56) وإن المسار التاريخي لعلم السيمياء ليؤكد على إفادة هذا العلم من تلك الروافد التي جعلته يستقطب اهتمام المشتغلين في حقول شتى من العلوم يقول في ذلك الدكتور عبد المالك مرتاض: "وكذلك ابتدأت السيميائية طبية فلسفية، ثم لغوية خالصة ثم تشعبت إلى أدبية، مع احتفاظها بوضعها اللساني."(57) وما يعضد هذا الرأي ما أجمع عليه الباحثون في نشأة الدلالة على أنها بدأت بالمحسوسات ثم تطورت إلى الدلالات المجردة بتطور العقل الإنساني ورقيه، فكلما ارتقى التفكير العقلي جنح إلى استخراج الدلالات المجردة وتوليدها والاعتماد عليها في الاستعمال.(58)
(1) فايز الداية، علم الدلالة العربي: ص77.
(2) السيد شريف الجرجاني، التعريفات، ص215.
(3) تمام حسان، الأصول، ص318.
(4) المرجع السابق، ص321.
(5) فايز الداية، علم الدلالة العربي، ص9.
(6) الآية رقم 22، انظر تفسير القرطبي: الجامع لأحكام القرآن، ج13، ص37.
(7) سورة القصص: الآية 12، انظر تفسير الكشاف للإمام الزمخشري، ج4، ص217.
الآية: 120، انظر تفسير ابن كثير، ج4، ص542.
(9) الآية: 45، انظر تفسير الكشاف للإمام الزمخشري، ج4، ص120.
(10) الآية: 14، انظر تفسير الكشاف للإمام الزمخشري، ج5، ص62.
(11) الآية: 7، انظر تفسير القرطبي: الجامع لأحكام القرآن.
(12) سورة طه: الآية 40، انظر تفسير ابن كثير، ج4، ص506.
(13) عبد القاهر غذامي الفهري، اللسانيات واللغة العربية، ص370.
(14) فايز الداية، علم الدلالة العربي، ص41.
(15) ابن منظور، انظر لسان العرب، ص394-395.
(16) القاموس المحيط، ج3، ص377.
(17) فايز الداية، علم الدلالة العربي، ص204-205.
(18) المرجع السابق، ص217.
(19) المرجع نفسه، ص223.
(20) الزبيدي، تاج العروس، ج7، ص324-325.
(21) أول مؤلف حمل عنوان فقه اللغة هو كتاب الصاحبي في فقه اللغة وسنن العرب في كلامها لابن فارس.
(22) ريمون طحان، دينر بيطار ضحاك، فنون التقعيد وعلوم الألسنية، ص26.
(23) الفرابي، إحصاء العلوم، ص159.
(24) الفرابي، العبارة، كتاب في المنطق، ص74.
(25) الإشارات والتنبيهات، ج1، ص191.
(26) الحروف، ص166.
(27) المصدر السابق، ص115.
(28) إحصاء العلوم، ص167.
(29) عبد القادر عودة، التشريع الجنائي الإسلامي، ج1، ص156.
(30) المستصفى من علم الأصول، ص187.
(31) المصدر السابق، نفس الصفحة.
(32) عبد السلام المسدي، اللسانيات وأسسها المعرفية.
(33) المستصفى من علم الأصول، ج2، ص188.
(34) المصدر السابق، ج2، ص190.
(35) معيار العلم في المنطق، ص42-43.
(36) المصدر السابق: ص49.
(37) المصدر نفسه، ص49-50.
(38) المصدر نفسه، ص52. المشتركة: المشترك اللفظي)، المتواطئة: أعيان متعددة بمعنى واحد مشترك بينها كدلالة اسم الحيوان على الفرس والطير والأسد، والمترادفة: المترادف)، المتزايلة: هي الأسماء المتباينة التي ليست بينها شيء من هذه النسب.
(39) المصدر نفسه، ص46-47.
(40) الكتابة جاءت لتملأ فراغاً لتكون امتداداً للملفوظ خاصة إذا وجدت لغات لا يمكن إلا أن تكون مكتوبة ولا نستطيع تجريدها بالمنطق كما هو شأن لغة الجبر في الرياضيات، انظر ذلك في كتاب: De La Grammatologie jaque derrida p 429)
(41) محمود سامي النشار، منهج البحث عند مفكري الإسلام، ص90.
(42) المقدمة، ج2، ص509.
(43) المصدر السابق، ج2، ص502.
(44) المصدر نفسه، ج2، ص518.
(45) ابن سينا، العبارة، من الشفاء، ص4.
(46) Cours de linguistique generale- F. de sausure, P.98.
(47) المقدمة، ابن خلدون، ج2، ص520.
(48) Cours de linguistique generale- F. de sausure.
(49) المقدمة، ابن خلدون، ج2، ص698.
(50) الشريف الجرجاني، التعريفات، ص215.
(51) عبد القادر عودة، التشريع الجنائي الإسلامي، ج1، ص186-187.
(52) علم الدلالة عند العرب: عاطف القاضي ص127. مجلة الفكر العربي المعاصر، عدد 18- 19 السنة: 1982.
(53) مدخل إلى علم الدلالة الألسني، د.موريس أبو ناضر، ص33- مجلة الفكر العربي، عدد: 18-19 السنة: 1982.
(54) منهاج البلغاء ومعراج الأدباء، ص19.
(55) المصدر السابق، ص25.
(56) عبد المالك مرتاض: السمة والسيميائية، ص19، مجلة الحداثة، عدد 2، يونيو 1993.
(57) المرجع السابق، ص18.
(58) إبراهيم أنيس، انظر ذلك في كتاب دلالة الألفاظ، ص158.
Tidak ada komentar:
Posting Komentar